تبدو الأمور من بعيد غامضة ومحيرة، لكن الاقتراب منها يزيل غموضها، ويساعد على معرفة حقيقتها. لذلك كان الاقتراب من كتب السحر كاشفًا لكثير مما يتعلق بعالمه: كيف يفكر السحرة؟ وما طبيعة وأشهر كتبهم؟ ومن أين وكيف تصدر؟ ومن يقف وراء إصدارها؟ وماذا تحتوي من تعاويذ؟ وما الصورة الذهنية التي ترسمها هذه الكتب عن مؤلفيها...؟ على حين تتواجد كتب العلاج بالقرآن من السحر والمس من الجن في كل مكتبة تقريبًا، ولدى كل بائع كتب على أرصفة الشوارع؛ فإن كتب السحر وتحضير العفاريت والجان يندر وجودها إلا في مكتبات بعينها في منطقة الحسين بمصر، ومناطق متفرقة أخرى كأنها جزر معزولة. ففي القاهرة -مثلا- وفي ميدان رمسيس أكبر ميادين العاصمة المصرية يوجد 12 بائعًا للكتب ما بين مكتبات ثابتة وبائعي أرصفة، لا تباع كتب السحر إلا عند اثنين فقط من بائعي كتب الأرصفة، بينما تباع كتب العلاج بالقرآن لدى 8 منهم، بينما توجد ميادين بكاملها تخلو من كتب السحر والعفاريت والشعوذة. والذي يجمع بين دور النشر المختصة في كتب السحر أن الوازع والمبرر الذي من أجله تخصصت في هذا الغرض غير واضح أو معلوم؛ فبعضها يبدو أصحابه في هيئتهم أقرب إلى السحرة والدجالين أو المتعاونين معهم، والبعض الآخر يبدو وكأنه لا تربطه بالفكرة سوى أكل العيش كما قال أحدهم؛ "إذ لهذه الكتب قارئ مضمون يبحث عنها بأي ثمن". الشكل غلاف الكتاب أول ما يقع عليه بصر القارئ؛ لذلك يهتم المؤلفون والناشرون بتصميم الغلاف، غير أن أغلفة كتب السحر والشعوذة خالية من أي أشكال أو رسوم أو صور؛ فهي مجرد ورق سميك بلون واحد يكون غالبا السماوي الفاتح أو الأحمر الفاتح، وعلى الغلاف يطبع اسم الكتاب بالخط الديواني الأنيق غالبًا، وهو ما يوحي بالخفة والرشاقة والدقة، وربما يتفق مع موضوع هذه الكتب وما به من غموض. وتخلو غالبية الكتب من ذكر تاريخ نشر أو طباعة، ومن ثم لا يتمكن القارئ من معرفة إن كان كتابًا جديدًا أم قديما، وربما كان الهدف من وراء ذلك إطالة عمر الكتاب، والإيحاء بأن أسراره سارية بغض النظر عن تاريخ تأليفها. ولا يلتزم مؤلفو هذه الكتب بما ينص عليه القانون من إيداع أي كتاب جديد في دار الكتب القومية وترقيمه للحفاظ على حقوق المؤلف، وذاكرة الأمة أيضًا؛ وهو ما يعني أن مؤلفي هذه الكتب لا يهمهم ذلك، كما لا يبالون بحقوق المؤلف أو أن يسطو أحد على كتبهم وينسبها لنفسه. وورق كتب السحر رديء رخيص الثمن (ورق دشت) ذو بياض منطفئ؛ وهو ما يوحي بأنها قديمة وربما أثرية، ولكنك تكتشف التناقض حين تلمس ورقه الداخلي فتجد أنه لم يفتح من قبل، وأنه طبع حديثًا ولكن بطرق طباعية قديمة (طريقتا الحروف البارزة والغائرة). وتتسم هذه الكتب بالحجم الصغير؛ إذ إنها تبدأ من 90 ورقة فقط ولا تزيد في أغلب الأحيان على 150 ورقة؛ لذلك فإن تكلفتها الاقتصادية زهيدة، ورغم ذلك ترتفع أسعارها مقارنة بتكلفتها الضئيلة ومقارنة بأسعار الأنواع الأخرى من الكتب المبيعة المطبوعة بشكل أفضل، وعلى ورق جيد؛ إذ يتراوح كتاب السحر الواحد من 7 جنيهات إلى 15 جنيهًا (من دولار إلى دولارين)، في حين أن كتب العلاج بالقرآن تبدأ من جنيه إلى 7 جنيهات (أقل من دولار) في طباعة جيدة قد تستخدم أكثر من لون، وغلاف مصمم جيدًا ويحتوي على 4 ألوان. وفسر لي أحد البائعين ارتفاع سعر الكتاب بقوله: "السعر لا يحسب بعدد ورق الكتاب، وإنما بما يحتويه من علم، ويدرك الجميع قيمته"! وإجمالا فإن هذه النوعية من الكتب تتسم بالفقر الشديد من الناحية الطباعية، وإن كانت -على العكس من ذلك- تتمتع بدرجة عالية من المحسنات اللغوية ويكثر السجع كثيرًا في كتابتها. المضمون
موضوع رقم… 666 -*- مساهمة رقم… 922 |
|