حالة من التوتر تسيطر على الوضع السياسي في مصر بعد إعلان مجلس الوزارء عن نيته إصدار "وثيقة المبادئ الدستورية" في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري والتي تحدد دور الجيش بعد نقل سلطة البلاد إلى حكومة مدنية.
والوثيقة التي تواجه اعتراضات كثيرة من أحزاب المعارضة، تحدد كذلك معايير تشكيل اللجنة التأسيسية لإعداد دستور جديد.
وكان نائب رئيس الوزراء لشؤون التحول الديموقراطي، الدكتور علي السلمي، قد طرح ورقة أطلق عليها "وثيقة المبادئ الدستورية" لتكون بمثابة ورقة إسترشادية يكتب على أساسها الدستور الجديد.
وأعلنت معظم القوى السياسية والحركات الشبابية رفضها لوثيقة السلمي وذلك بسبب إعطائها المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم للبلاد صلاحيات تشريعية وتنفيذية، وكذلك حظر قيام أحزاب على أسس فئوية، مثل أحزاب تؤسسها الاتحادات العمالية أو المهنية.
وصعّدت الحركات الشبابية من رفضها للوثيقة وقالت إنها تعد لمظاهرة مليونية يوم 18 تشرين الثاني/نوفمبر تطالب فيها بنقل سلطة البلاد إلى سلطة مدنية منتخبة في أسرع وقت.
ووفقا للإعلان الدستوري الصادر في آذار/مارس الماضي، ستكون مهمة البرلمان القادم تشكيل لجنة تأسيسية لإعداد الدستور الجديد خلال ستة أشهر من نهاية الانتخابات البرلمانية. إلا أن الإعلان الدستوري لم يحدد كيف سيتم تشكيل هذه اللجنة مما أثار خلافا وجدلا بين الأحزاب.
وطالب العديد من القوى السياسية العلمانية المجلس العسكري بإعداد دستور جديد قبل إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة ليضمن نصه أن الدولة المصرية "هي مدنية ديموقراطية" وذلك خوفا من أن تسيطر التيارات الإسلامية على البرلمان القادم وتضع دستورا ينص على أن مصر دولة إسلامية.
وعقب ضغوط من القوى السياسية العلمانية والحركات الشبابية ورفض من التيارات الدينية، أعلن اللواء محسن الفنجري عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة في منتصف تموز/يوليو الماضي أنه كلف مجلس الوزراء بإعداد "وثيقة مبادئ حكيمة للدستور لاختيار الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور"، تتضمن قواعد اختيار اللجنة التي سيختارها البرلمان القادم لكتابة الدستور الجديد.
وشملت وثيقة السلمي 25 مادة قسمت على بابين، الأول تحدث عن المبادئ الأساسية لدستور الدولة المصرية الحديثة، فيما تضمن الثاني طريقة تشكيل الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور.
ونصت المادة الأولى على أن مصر دولة ديموقراطية تقوم على مبادئ المواطنة وسيادة القانون وتكفل الحرية والمساواة لجميع المواطنين دون تمييز أو تفرقة.
جدل حول المادة التاسعة والعاشرة
أما المواد المثيرة للجدل فتضمنت المادتين التاسعة والعاشرة. حيث نصت التاسعة على أن مهمة القوات المسلحة هي "حماية الشرعية الدستورية" وهو ما اعترضت عليه القوى السياسية وقالت إنه يسمح بتدخل القوات المسلحة في الحياة السياسية ويفتح الباب للانقلاب وتهديد الدولة المدنية.
أما المادة العاشرة فمنعت البرلمان من مناقشة ميزانية القوات المسلحة وقالت إن "المجلس الأعلى للقوات المسلحة دون غيره" هو الجهة الوحيدة التي لديها الحق في مناقشة الميزانية.
إلا أن السلمي أعلن الخميس، 3 تشرين الثاني/نوفمبر، تعديله لنص المادة التاسعة حيث ألغى جملة "حماية الشرعية الدستورية" من مهام القوات المسلحة، إلا أن القوى السياسية والأحزاب اعتبرت أن التعديلات لا تكفي، خاصة أنها لم تلغ المادة العاشرة واكتفت بإلغاء كلمة واحدة وهي "دون غيره" فيما يخص مناقشة الميزانية الخاصة بالقوات المسلحة.
وقال بهي الدين حسن، رئيس مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، للشرفة إن "الوثيقة غير مقبولة تماما حيث أنها تقوض حق المصريين الشرعي في وضع القواعد والأسس التى يتوافقون عليها لصياغة دستور دولة ديموقراطية تسودها قيم العدالة والمواطنة والمساواة".
وأضاف أن الوثيقة تفتح الباب لـ"تدخل صارخ" للمجلس الأعلى للقوات المسلحة في العملية الديموقراطية حيث أن مهمته وفقا للمادة التاسعة ليست فقط حماية البلاد وسلامة أراضيها وأمنها، بل صار المجلس أيضا لاعبا أساسيا في الحياة السياسية حيث يستطيع التدخل فيها تحت مسمى "حماية الشرعية الدستورية".
وأشار حسن إلى أن "الوثيقة تخص المجلس بامتيازات وحصانات سياسية واسعة تجعله فى مرتبة أعلى من كافة مؤسسات الحكم، حيث ينفرد دون غيره بالنظر في كل ما يتعلق بشؤون القوات المسلحة وميزانيتها".
الإخوان ترفض الاتفاق على مبادئ دستورية قبل إجراء الانتخابات
فيما اعتبرت جماعة الإخوان المسلمين في بيان رسمي أن وثيقة السلمي هي "إهدار للديموقراطية وإهدار للإرادة الشعبية التي تمثلت في استفتاء آذار/مارس الماضي، وانقلاب على مبدأ الدولة الديموقراطية لأنها تضمنت بندا وهو (التاسع) يعطي الجيش حق حماية الدولة المدنية والدستور".
ويذكر أن جماعة الإخوان والحركات السلفية في مصر ترفض الاتفاق على مبادئ دستورية أو على معايير لتشكيل الجمعية التأسيسية قبل إجراء الانتخابات التشريعية التي يعتقدون أنهم سيحصلون على الأغلبية فيها.
وتجرى الانتخابات البرلمانية لمجلسي الشورى والشعب، الغرفتين العليا والسفلى للبرلمان، في 28 من الشهر الجاري على ثلاث مراحل، على أن يبدأ مجلس الشعب أولى جلساته التشريعية نهاية كانون الثاني/يناير فيما يبدأ مجلس الشورى في آذار/مارس القادم.
وأكد الدكتور عبد الغفار شكر، وكيل حزب "التحالف الشعبي الاشتراكي"، للشرفة أن الدول الديموقراطية تخضع كل مؤسساتها بما فيها المؤسسة العسكرية للرقابة الشعبية المتمثلة فى البرلمان، مشيرا إلى أن حدود وأبعاد هذه الرقابة تخضع للنقاش داخل المجتمع بين القوى السياسية.
وأضاف "قبل كتابة وثيقة مثل التي أعلنها السلمي كان لا بد من حوار يشمل جميع القوى السياسية والنقابات والاتحادات وخبراء القانون والسياسة، إلا أن مفاجأة القوى السياسية بها هو خطأ كبير يجب على الحكومة تداركه".
وكان السلمي قد صرح في مؤتمر صحافي في 3 تشرين الثاني/نوفمبر، ان الوثيقة المقترحة قابلة للنقاش حتى يتم التوصل إلى توافق في الآراء، واضاف انه تم تعديل المادتين التاسعة والعاشرة حتي يتم التوصل إلى صيغة تفاهم. كما ودعا المعارضين للوثيقة للقائه ومناقشة اعتراضاتهم.
موضوع رقم… 4395 -*- مساهمة رقم… 23907 |
|