منذ
حوالي عشرين عامًا وطيلة هذه الفترة ظل بعض الناس يشك في أنه فصيلة مختلفة
من فصائل التريكينيللا الأخرى، ومع التطور في أساليب البحث تم اكتشاف
كيماويات هذه الطفيليات مثل حامض الإكليك ـ والذي يختلف وجوده من طفيل إلى
آخر ـ وقد ثبت بذلك أنها من فصيلة مختلفة.
الشيخ الزنداني:
هل كانت الشعوب في العالم على علم بوجود ذلك الطفيل المعدي في الحيوانات آكلة اللحوم؟
د. نيلسون:
إن الناس بفطرتهم كانوا يتجنبون أكل لحوم تلك الحيوانات خوفًا من الإصابة بمرض ما، ولكن لا يعرفون هذا المرض.
وإنني
لم أجب بعد عن السؤال حول الطيور الجارحة. فقد اكتشف مؤخرًا نوع من طفيل
التريكينيللا يسمى ( تريكينيللا سيدوسباروترس )وذلك في الاتحاد السوفييتي،
ويعيش هذا الطفيل في الطيور الجارحة، ولم يثبت وجوده بعد في الإنسان؛ حيث
إن الإنسان عادة لا يأكل لحم تلك الأنواع من الطيور الجارحة كالنسور
والصقور والبوم على سبيل المثال، لذلك فإن الطفيل لم يصل للإنسان.
الشيخ الزنداني:
هل يمكن أن يصيب الإنسان إذا أكل لحم تلك الجوارح؟
:
لم تسجل بعد حالات إصابة بهذا الطفيل بين الإنسان إلا أن كل الأدلة تشير إلى أنه يمكن أن يصيب الإنسان.
الشيخ الزنداني:
متى عرف أن أكل لحوم ذوات الأنياب وذوات المخالب يسبب الأمراض ومتى كان الإنسان قـادرًا على أن يعرفها؟
د. نيلسون:
من
خلال التاريخ فإننا نعلم أن الإنسان قد أصيب بالطفيليات والأمراض التي
تسببها منذ الأمد القديم حيث ثبت ذلك من تحاليل القبور والموميات المصرية
القديمة منذ أربعة آلاف عام؛ حيث وجدت البلهارسيا، ولم يبدأ أحد قبل مائة
وخمسين عامًا في دراسة دورة حياة تلك الطفيليات، وبعد اكتشاف المجهر (
الميكروسكوب ) فإنه قد أدى إلى تغيير شامل في توجه الإنسان في التعامل مع
الجراثيم، وتطور فكرة دراسة دورة حياة الطفيليات ولم يحدث ذلك إلا منذ 150
عامًا مضت فقط، ودعني أضرب مثلاً على ذلك: فبالنسبة لطفيل البلهارسيا فقد
اكتشفه عالم ألماني كان يعمل في مصر عام 1852م فعرفنا عن وجود الطفيل حيث
استطعنا رؤيته ( بالمجهر )إلا أن دورة حياة بلهارسيا المجاري البولية
وبلهارسيا المستقيم لم تكتشف إلا في عام 1914م أي بعد حوالي 140 عامًا ولكن
اليابانيين اكتشفوا طفيلاً آخر قبل ذلك بعام واحد أي أن تفهم المرض لم
يحدث إلا قريبًا جدٌّا.
الشيخ الزنداني:
عندما
يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم: ( لا يبولنّ أحدكم في الماء الراكد
الذي لا يجري ثم يغتسل فيه ) في هذا الحديث يربط التوجيه النبوي بين البول
في الماء الراكد وبين عدم الاغتسال فيه؛ هل هناك حكمة في ذلك؟
د. نيلسون:
كل ما نستطيع قوله هو أننا الآن نعرف أن الاغتسال في الماء والتبول فيه ينقل الأمراض، وتجنب ذلك يمنع انتشار الأمراض.
الشيخ الزنداني:
في
ذلك الزمان أي زمن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هل كان العقل البشري
يتمكن من الربط بين عدم التبول في الماء الراكد وعدم الاغتسال فيه.
د. نيلسون:
يوجد
الكثير من الطب الوقائي منذ عهد الفراعنة وعهد موسى ـ عليه السلام ـ وعهد
النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمنع الأمراض، وأعتقد أنه كانت هناك
خبرة ما؛ بحيث لو فعلت كذا ستصاب بالمرض، ولو تجنبت فعل كذا فسوف تتقي مرض
كذا، وأعتقد أنه شيء يمكن ملاحظته حيث إن البول والماء الراكد ـ كل ذلك ـ
ذو علاقة بالمرض.
الشيخ الزنداني:
لكنك
قلت منذ قليل إن الإنسان لم يعرف دورة حياة تلك الطفيليات إلا في عام
1912م لأنها لا ترى بالعين المجردة ولا تعرف دورة حياتها بالعين المجردة
فكيف يمكن تمييز شيء لا يرى إلا تحت الميكروسكوب؟ فهل هناك إمكانية لإنسان
أن يعرف العلاقة بين التبول في الماء الراكد والإصابة بالمرض، وهذا الطفيلي
لا يرى بالعين المجردة والمراقبة له لم تتيسر للإنسان ولم تعرف إلا عام
1912م؟ فكيف نقول إن ذلك تم بالملاحظة والمراقبة؟
أي ملاحظة لشيء لم ير بالعين؟ وهل سجل في التاريخ أن من بال في الماء الراكد قد أصيب بمرض؟
د. نيلسون:
لا يوجد ما يفيد بذلك.
الشيخ الزنداني:
هل تتوقع أن هناك إمكانية لملاحظة هذا من الأولين بدون ميكروسكوب؟
د. نيلسون:
لم
أقصد أنهم لاحظوا الطفيليات ولكن ربطوا بين الأسباب والمسببات، فمثــلاً
لاحظوا أن من يأكل الحيوانات ذوات الناب يصاب بالأمراض، فتجنبوا أكل
لحومها.
الشيخ الزنداني:
لكن
قبل اكتشاف الحقيقة وطريقة المرض والعدوى وطريقة انتقاله إلى الإنسان يبقى
الإنسان في خيالات أبعد منها إلى الحقائق، قد يعللها مثلاً لوجود شياطين
وقد يعللها بأنه أصيب بشوكة أو أن أمه كانت غاضبة عليه أو أنه شرب من دم
كذا فليس عنه شيء يضبط الأمر.