أين الملوك المالكين لأمرها
يقول الْأَصْمَعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : دَخَلْت عَلَى الرَّشِيدِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَوْمًا وَهُوَ يَنْظُرُ فِي كِتَابٍ وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى خَدِّهِ ... فَلَمَّا أَبْصَرَنِي قَالَ : أَرَأَيْت مَا كَانَ مِنِّي ؟ قُلْت : نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ .
فَقَالَ : أَمَّا إنَّهُ لَوْ كَانَ لِأَمْرِ الدُّنْيَا مَا كَانَ هَذَا .
ثُمَّ رَمَى إلَيَّ بِالْقِرْطَاسِ فَإِذَا فِيهِ شِعْرُ أَبِي الْعَتَاهِيَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى :
هَلْ أَنْتَ مُعْتَبِرٌ بِمَنْ خَرِبَتْ مِنْهُ غَدَاةَ قَضَى دَسَاكِرُهُ
وَبِمَـــنْ أَذَلَّ الدَّهْرُ مَصْـــــــــــرَعَهُ فَتَبَرَّأَتْ مِنْـــهُ عَسَاكِرُهُ
وَبِمَنْ خَلَتْ مِنْهُ أَسِرَّتُــــــهُ وَتَعَطَّلَـــــــــتْ مِنْـــــــهُ مَنَابِــــــــــرُهُ
أَيْنَ الْمُلُوكُ وَأَيْنَ عِزُّهُمْ صَــــارُوا مَصِيـــرًا أَنْتَ صَائِرُهُ
يَا مُؤْثِـــــرَ الدُّنْيَـــــــــــا لِلَذَّتِهِ وَالْمُسْتَعِــــــــــــدُّ لِمَـــنْ يُفَاخِرُهُ
نَلْ مَا بَدَا لَك أَنْ تَنَالَ مِنْ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْمَوْتَ آخِرُهُ
فَقَالَ الرَّشِيدُ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ - : وَاَللَّهِ لِكَأَنِّي أُخَاطَبُ بِهَذَا الشَّعْرِ دُونَ النَّاسِ ، فَلَمْ يَلْبَثْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا يَسِيرًا حَتَّى مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
( دسكر ) الدَّسْكَرَةُ بناء كالقَصْرِ حوله بيوت للأَعاجم يكون فيها الشراب والملاهي قال الأَخطل في قِبابٍ عند دَسْكَرَةٍ حولها الزَّيتونُ قد يَنَعا والجمع الدَّساكِرُ
أين الملوك المالكين لأمرها والعامروا أمصــــارها وقراها
أين القياصر والأكاسرة الألى شادُوا مباني عزِّها وعُلاها
غرَّتهم بشَرابها وسَرابها حتى انتشوا من كأسها وطلاها
بطشت بهم بطش الكمين بغرة ٍ الله أكبرُ ما أقلَّ وفاها
قالت بعض بنات ملوك العرب الذين نكبوا : أصبحنا و ما في الأرض أحد إلا و هو يحسدنا ويخشانا و أمسينا و ما في العرب أحد إلا و هو يرحمنا .
دخلت أم جعفر بن يحيى البرمكي على قوم في عيد أضحى تطلب جلد كبش تلبسه و قالت : هجم علي مثل هذا العيد و على رأسي أربعمائة وصيفة قائمة و أنا أزعم أن ابني جعفرا عاق لي.
كانت أخت أحمد بن طولون صاحب مصر كثيرة السرف في إنفاق المال حتى أنها زوجت بعض لعبها فأنفقت على وليمة عرسها مائة ألف دينار فما مضى إلا قليل حتى رؤية في سوق من أسواق بغداد و هي تسأل الناس .
قال عون بن عبد الله بن عتبة : بنى ملك ممن كان قبلنا مدينة فتنوق في بنائها ثم صنع طعاما ودعا الناس إليه وأقعد على أبوابها ناسا يسألون كل من خرج هل رأيتم عيبا ؟ فيقولون لا حتى جاء في آخر الناس قوم عليهم أكسية فسألوهم : هل رأيتم عيبا ؟ فقالوا : عيبين
فأدخلوهم على الملك فقال : هل رأيتم عيبا ؟ فقالوا عيبين قال : وما هما ؟ قالوا : تخرب ويموت صاحبها قال: فتعلمون دار لا تخرب و لا يموت صاحبها ؟ قالوا نعم فدعوه - الى التوبة والتفرغ الى العبادة - فاستجاب لهم و انخلع من ملكه و تعبد معهم ... فحدث عون بهذا الحديث عمر بن عبدالعزيز فوقع منه موقعا حتى هم أن يخلع نفسه من الملك .. فأتاه ابن عمه مسلمة فقال : اتق الله يا أمير المؤمنين في أمة محمد فوالله لئن فعلت ليقتتلن بأسيافهم قال : ويحك يا مسلمة حملت ما لا أطيق و جعل يرددها و مسلمة يناشده حتى سكن .
وهاك بعض أبيات من أنفس ما قاله أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه:
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت ... أن السعادة فيها ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها ... إلا التي كان قبل الموت بانيها
فإن بناها بخير طــاب مسكنــــة ... وإن بناها بشر خــــــاب بـــــــانيهــــــا
أموالنا لـــــذوي الميراث نجمعها ... ودورنـــــا لخــــــــراب الدهر نبنيها
أين الملوك التي كانت مسلطنة... حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
فكم مدائن في الأفاق قد بُنيت...أمست خرابا وأفتى الموت أهليها
لا تركنن إلى الدنيا وما فيهـــا ... فالمــــوت لاشـــــك يفنينها ويفنيهـــــا
لكل نفس وإن كانت على وجــــلٍ ... مـــــن المنيـــــة أمـــــال تقـــــــويهـــــــا
المرء يبسطها والدهر يقبضها ... والنفس تنشرها والموت يطويهـــــا
موضوع رقم… 1551 -*- مساهمة رقم… 4184 |
|